الشيخ راشد بن حميد النعيمي
اشتهر
بحنكته وسعة صدره، ولعب دورًا متميزًا في الوساطات والمصالحات بين مشايخالساحل المتصالح، وقد تميز بقدرته على حل الأمور
مهما شكلت على أصحابها، وساعده على ذلك قوة شخصيته وحضور حجته،
وإلمامه بتاريخ
المنطقة وسيرته العطرة بين القبائل.
وكان - رحمه الله- رحيمًا ، كريمًا أياديه البيضاء
امتدت لأبناء شعبه، وقد عاصر سموه التحول من تجارة اللؤلؤ و الصيد إلى خيرات النفط ،
فكان حريصًا على توزيع هذه الخيرات على الجميع وخصوصًا المحتاجين منهم ..
نسبه ومولده :
يرجع نسب [3] [2] النعيم إلى الأزد من قبيلتي الأوس والخزرج، وتحديدًا إلى تنعم بن
قمينة من العتيك من الأزد، وفي رواية أخرى فإن النعيم يصل نسبها إلى نعيم بن عمران
بن عمر بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد [4] ، وقد سكنوا قباء في المدينة المنورة ، ثم هاجروا منها أثناء واقعة
الحرة أيام يزيد بن معاوية، ومن جاء إلى الساحل العماني منهم استقر عند أبناء
عمومتهم من بني السائب بن قطن بن عوف بن الخزرج، وهاجر آخرون إلى العراق والشام
(الهلال الخضيب) .
وفي إحصاء عام 1907 وصل عدد النعيم إلى 17800 شخص،
وبهذا فهم يعدون من أكبر القبائل العربية انتشارًا.
وفي الإمارات تسكن القبيلة: العين والسنينة والذيد ورأس الخيمة و عجمان وغيرها، وتعتبر (الجو) في واحة البريمي معقلهم الرئيس
في عُمان، أما في الغرب فيتركزون بمنطقة (الختم)، وشمالًا يتركزون في (سهل جيري)،
وللقبيلة 3 بطون هي: بوخريبان ومنهم الشيخ راشد وبوشامس والخواطر.
أول زعيم نعيمي ظهر اسمه بكثرة هو ناصر بن حميد
القرطاسي النعيمي من بو خريبان، وخلفه حميد آل بو صليلة من آل بو شامس، وتلاه في
عام 1780 م شامس بن محمد بن بيات حتى عام 1790 م ، وقد اعتبر من أقوى زعماء النعيم
حيث ثبت حكمهم في الظاهرة، وخلفه سلامة بن سيف الشامسي ثم الشيخ محمد بن مانع
الشامسي، وهو الذي أكمل ضمّ عجمان والحيرة والحمرية إلى إمارته التي وصلت حتى رملة
الضيت (تتبع رأس الخيمة اليوم)، وتذكر الوثائق أن اختيار الرئيس للقبيلة
كان يتم بتشاور علمائها وكبرائها وكان لابد أن يتصف بالشجاعة والعزيمة والوقار.
وبعد ذلك أخذ آل النعيم يحكمون مناطقهم بشكل
منفصل فكان الشيخ راشد بن حميد بن سلطان بن راشد بن خميس القرطاسي الخريباني
النعيمي، وأمه علياء بنت خلف السويدي من الشارقة، وقد حكم ما بين 1803 ، 1838 م ،
وخلفه الشيخ حميد بن راشد بن حميد بن سلطان النعيمي ما بين 1838 ، 1841 م ، ثم
خلفه أخوه الشيخ عبد العزيز الأول لسبع سنوات قبل أن يعود الشيخ حميد ليتولى الحكم
حتى عام 1864 م ، ثم حكم الشيخ راشد الثاني بن حميد الأول بن راشد حتى عام 1891 ،
وكانت والدته الشيخة ناعمة بنت سلطان بن صقر القاسمي، وخلفه الشيخ حميد الثاني بن
راشد الثاني حتى عام 1900م ، ثم خلفه الشيخ عبدالعزيز الثاني بن حميد الأول حتى
عام 1910م ، ثم جاء الشيخ حميد الثالث بن عبد العزيز الثاني حتى عام 1928 ، فتلاه
الشيخ راشد الثالث بن حميد الثالث - رحمه الله- وهو من شهد تأسيس الاتحاد، ووقع على وثيقته.
فالنعيم قبيلة عربية أصيلة تشربت المروءة عبر الزمن ومع توالي
الأجيال، وكان من الطبيعي أن تنجب شخصية فذة كسمو الشيخ المغفور له راشد بن حميد.
ولد المغفور له بإذن الله الشيخ راشد عام 1902
بإمارة عجمان على ساحل الخليج العربي، وتولى مقاليد الحكم عام
1928 ، ويعد الحاكم التاسع لإمارة عجمان ـ والمؤسس الحقيقي لنهضة الإمارة وازدهارها.
أخذ أصول الحكم عن أبيه الذي حكم الإمارة لمدة 18
عامًا تقريبًا منذ عام 1910 حيث كان عمر الشيخ راشد 8 سنوات، واستطاع - رحمه الله-
من خلال هذه الفترة أن يتشرب معاني الرجولة وأساليب الحكم الرشيد، وطرق معالجة
الأمور بحكمةوروية .
وقد كان لوالدته الشيخة (شيخة بنة سعيد بن ماجد بن
علي بن راشد الأول النعيمي) دور كبير في تنشئته وتربيته وغرس الخصال الحميدة
والأخلاق العالية في نفسه.
وقد ناسب شيخ قبيلة الخواطر في رأس الخيمة علي بن
سيف الخاطر؛ فتزوج من ابنته.
نشأته وتوليه الحكم:
كان
الشيخ راشد الفتى يتابع عن كثب أخبار القبيلة والإمارة، وتثيره قصص الصحراء
ومغامرات التجارة، إذ ليس في تلك الحياة ما يعطي بديلًا عن الواقع القائم بكل
تفاصيله، ويقول (رحمه الله):
•" كنت وحيد أبي ، وكان أبي وحيد
جديّ، وكُنا نعيش هنا في عجمان، فنحن النعيمقبيلة،
ولسنا أسرة حاكمة، وكان التعليم على أيامنا نادرًا، وعلى يد شيوخ يحفظون القرآن وتعاليم الكتاب والسنة .. ولم نكن أهل بحر، بل عرب
بدو، لنا في البر والخيل والركاب، وليس لنا في الصيد والسفن، حق كانت لجدي محمل ،
عليها بحارة وسيوفة وغيص، ولكنها كانت توكل لهذا النوخذة أو ذلك من مشاهير
النواخذة في المنطقة مثل حميد وبن عميرة .."
وعندما تولى الشيخ راشد مقاليد الحكم في الإمارة
في عام 1928 ، سار بمدينته في منعطف حقيقي نحو التطوير والتحديث، فنعمت بالأمن
والاستقرار والسكينة، واستطاع الشيخ راشد- رحمه الله - أن يوظف موارد الإمارة
المحدودة جدًا في تنمية إمارته، وفي تقرير للمقيم البريطاني آنذاك قال فيه:
" خَلَف الشيخ راشد بن حميد والده في
الحكم سلميًا في العام 1928 م .. وأنه ينتمي إلى قبيلة النعيم، وهو يحافظ على
الأمن في أراضيه، ولم تحصل أي حادثة جديرة بالذكر طوال الفترة، ويضيف التقرير أنه
بدأ بإصدار جوازات السفر الخاصة به؛ فأصبح الحاكم الأول الذي يصدرها في الإمارات، وقد حقق أرباحًا كثيرة عن
طريق إصدارها ."
كان - رحمه الله- عربيًا أصيلًا يعشق عروبته
ويدافع عن أرضه ويتطلع إلى نهضتها، وقد وافق على المشروعات التي تكفلت بها الجامعة
العربية لتحقيق التنمية الاقتصادية في المنطقة في يناير عام 1965، على الرغم من
الضغوطات البريطانية عليه لمنعه من التعامل مع محيطه العربي.
أًصالته العربية وتطور الإمارة في عهده :
ويذكر الدكتور سيد نوفل الأمين العام المساعد
لجامعة الدول العربية في ذلك الوقت تفاصيل لقائه مع صاحب السمو الشيخ راشد بن حميد
وولي عهده حميد بن راشد، وقبول سموه إرسال كتاب إلى جامعة الدول العربية يعرب فيها
عن شكره لها وقبوله مشروعها، وهذا نصها :
" سيادة الأمين العام لجامعة الدول العربية
تحية أخوية صادقة، وبعد
فتأكيدًا للحديث الذي دار بيننا اليوم مع الأخ
الدكتور سيد نوفل الأمين العام المساعد للجامعة، أودّ أن أعرب عن شكرنا للجامعة
على ما وضعته من مشروعات للتنمية الاقتصادية، وأن أُبدي الترحيب بالبدء الفوري في
تنفيذها.
" هذا وفي الختام تفضلوا بقبول فائق
الاحترام "
أخوكم المخلص
( راشد بن حميد النعيمي )
وفي طريق التطوير وضع الشيخ راشد- رحمه الله -
النهوض بالتعليم نصب عينيه، فأخذ شكله
النظامي عام 1958، ووصل عدد الطلاب عام 1972 في الإمارة 1700 طالب وطالبة ، دون
إحصاء منطقتي مصفوت والمنامة بحسب الإحصاءات التي أجرتها وزارة التربية والتعليم
آنذاك، كما أنشأ سموه المعهد العلمي الإسلامي؛ للحفاظ على الثقافة الإسلامية، وربطها بالعلوم المدنية
الأخرى . كما أنشأ سموه- رحمه الله- الإدارات المحلية في الإمارة، فاستحدث البلدية
التي شقت الطرق، وقدمت الخدمات وأشرفت على تنفيذ المشروعات ومخططات التنمية.
أما الشرطة فقد أُنشئت عام 1967 م ، وقسمت إلى عدة أقسام
أهمها: قسم التحقيقات والمباحث الجنائية، وقسم المرور، واضطلعت بدورها في حفظ
الأمن وتقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين . ويشهد واقع إمارة عجمان في السنوات الأولى للاتحاد بالتطور الذي تعيشه الإمارة:
"وفي
الإمارة (أي عجمان) مدارس عديدة
للبنين والبنات لجميع المراحل ، ومعهد علمي إسلامي ، وقضاء شرعي وقضاء مدني،
والعلاج فيها بالمجان، والمياه تصل إلى بيوت الأهالي نقية مكررة عبر خط من
الأنابيب، والكهرباء تسد حاجة الإمارة، وإقبال المواطنين على الصناعات يلقى
اهتمامًا من سمو الحاكم الذي شجع إنشاء شركة الأسماك العالمية المحدودة،
وهي فوق
كل هذا تتمتع بشواطئ بيضاء ناعمة ومياه صافية، وطيور مائية جميلة، وقلاع وأبراج
ومدافع قديمة تحكي قصة الأيام الماضية " . [7]
لقد عمل المغفور له بإذن الله- الشيخ راشد بن حميد
النعيمي بتفان وإخلاص كبيرين شادًا على يد أخيه-المغفور له بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وإخوانه
حكام الإمارات من أجل وضع أسس الاتحاد، وإقامة دولة قوية تجتمع تحت
لوائها ورايتها كل الإمارات، وكان هذا ينبع من إيمانه العميق بالمصير الواحد
والمصلحة المشتركة، وعبّر عن ذلك سموه أيضًا بقوله :
" وفاؤنا المطلق لأرض الوطن وتراث
الآباء والأجداد يفرض علينا هذا الموقف الاتحادي وإدراك المسؤولية التاريخية
لمواصلة مسيرة الاتحاد. "
الخاتمة
رحل
الفارس عن دنيا البشر في صبيحة يوم الأحد 6 سبتمبر 1981 ، حيث استفاقتالإمارة والدولة
كلها على خبر رحيل - المغفور له بإذن الله- الشيخ راشد بن حميد النعيمي بعد أن قضى
عمره في خدمة أبناء إمارته وتحسين ظروف معيشتهم، وكان الرجل الوفي الذي بكاه
الجميع قيادة وشعبًا، وجاءت الوفود من مختلف أصقاع العالم للتعزية في فقيد الوطن
الغالي .
وقد قاد خليفته سمو الشيخ حميد مؤخرًا مشروعًا
لإحياء إنجازات الشيخ راشد في كتاب شامل [8] يحتوي أكثر من 100 ألف كلمة
يتحدث فيها عن أصل النعيمي وتطور عجمان منذ السبعينات، ودور المغفور له الشيخ راشد
في اكتمال حبات العقد.
المراجع
·
عجمان في ذاكرة الزمان.
·
الموسوعة الذهبية في أنساب القبائل وأسر شبه
الجزيرة العربية.
·
ملامح من التاريخ العماني – الشيخ سليمان الخروجي
ص 255
·
ملحقاتها : مصفوت والمنامة.
·
كتاب دولة الإمارات الصادر في عام 1974 بمناسبة
الذكرى الثالثة لتأسيس الاتحاد